22 (1)
22 (1)
روضة الصائم

زاوية لغوية :حرف واحد يقوم مقام فعل

19 أبريل 2021
19 أبريل 2021

يقدمها :د.إسماعيل العوفي -

سأل مسعود بن راشد الحبسي الشيخ علي بن ناصر الغسيني، وهما شاعران عمانيان عن حرف يقوم مقام فعل فقال:

يسأَلُ عن حرفٍ يقُومُ عندَهُمْ

مقام فعل واحد في الذكر

فأجاب المجيب:

وما عن الفعلِ يقُومُ فادْرِ

أدعوكَ زيدًا لتكُونَ ذُخْرِي

وأنْ أراكَ دائِمًا للفِكْرِ

وكلُّ حرفٍ لمعانٍ يَجرِي

وكَتَمَنٍّ للياليِ الدَّهرِ

حرفُ نداءٍ للدُّعَا والزَّجْرِ

للنائبَاتِ المُعضِلاتِ الأَمْرِ

مكتسِبَ الحَمْدِ مُدِيْمَ الشُّكْرِ

مِثلَ تَرَجٍّ للقاءِ عَمْرِو

تعودُ بالخيرِ لنَجْلِ بَكْرِ

الكلام في حرف يقوم مقام فعل محتمل لشيئين:

1) الحرف المقابل للاسم، والفعل، وهو المعبر عنه عند النحاة بحرف المعنى، وهذا الذي أجاب به المجيب، والظاهر أن السائل لا يريد هذا؛ لأن هذا ينطبق -فيما يظهر- على كل حرف معنى، وكل حرف معنى يكون بمعنى فعل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يظهر أن السائل يسأل عن حرف يقوم مقام الفعل، وليس عن حرف ينوب عن الفعل؛ وهناك فرق –فيما يظهر لي بين العبارتين-، والظاهر أن السائل يسأل عن كلمة وضعت على حرف واحد، وهي فعل كالفعل (قِ) بكسر القاف الذي ماضيه (وقى)، ويدل على ذلك وصف كلمة حرف في بيت السائل بكلمة (واحد)؛ فكلمة (واحد) صفة لكلمة فعل؛ لأن من حروف المعاني ما يكون بمعنى أكثر من فعل كلعلَّ يكون بمعنى أرجو وأشفق، ويكون بمعنى التعليل، فإن قصد المعنى الأول فجواب الناظم موافق للمعنى الذي أراده السائل، وقد نص النحاة على أن حروف المعاني نائبة عن الأفعال، وفي هذا المعنى كلام الزمخشري إذ يقول: «الحرف ما دل على معنى في غيره، ومن لم ينفك من اسم، أو فعل يصحبه إلا في مواضع مخصوصة، حذف فيها الفعل، واقتصر على الحرف، فجرى مجرى النائب، نحو قولهم نعم، وبلى، وإي، وإنه، ويا، وزيد قد في قوله في وكأن قد»

وأوضح من كلام المفصل كلام شارحه ابن يعيش (ت:643هـ)، إذ يقول: «فكذلك «يا» في النداء من نحوِ «يا زيدُ»، فـ «يا» قد نابت هنا منابَ «أدْعُو»، و»أُنادِي».

وقد ذَهب بعضهم إلى أنها قد دخلت لمعنى التنبيه، والفعلُ مراد بعدها، والعملُ في الاسم بعدها إنما هو لذلك الفعل لا لها، وقال آخرون: إنما العملُ لها بالنيابة، ولذلك ساغت فيها الإمالة، والذي يدل أن العمل لها دون الفعل المحذوف أنّ ما حُذف فيه الفعل إذا ظهر الفعل، لم يتغير المعنى، وأنت لو أظهرت «أدعو» و»أُنادي» لتغير المعنى، وصار خبرًا، والنداءُ ليس بخبر.

الأمر الثاني: أن العرب قد أوصلت حروف النداء إلى المنادَى تارة بأنفسها، وأُخْرَى بحرف الجرّ، وذلك نحوُ: «يا زيدُ»، و»يا لَزيدٍ»، و»يا بكرُ»، و»يا لَبكرٍ»، فجرى ذلك مجرى «جئتُ زيدًا»، و»جئت إليه»، و»سُمِّيت زيدًا»، و»سمّيت بزيدٍ»، ويؤيد ذلك جوازُ الإمالة فيه كما جاز في «بَلى» و»لا»، هو في «بَلى» أسهلُ لتمام اللفظ، ومجيئها على عدّة الأسماء، وضُعْفِ «يا»، و»لا»؛ لنقص لفظهما.

فإن قيل: ولِمَ جيء بالحروف؟ وما كانت الحاجةُ إليها؟ فالجواب أن حروف المعاني جُمَعَ جيء بها نيابةً عن الجمل، ومفيدةً معناها من الإيجاز، والاختصار. فحروفُ العطف جيء بها عوضًا عن «أعطِفُ»، وحروفُ الاستفهام جيء بها عوضًا عن «أستفهمُ»، وحروفُ النفي إنما جاءت عوضًا عن «أنفي»، وحروف الاستثناء جاءت عوضًا عن «أستثني»، أو «لا أعني»، وكذلك لامُ التعريف نابت عن «أُعَرِّفُ»، والتنوينُ ناب عن «خَفَّ»، وحروفُ الجر جاءت نائبة عن الأفعال التي هي بمعناها، فالباء نابت عن «أُلصِقُ»، والكاف نابت عن « أُشَبِّهُ»، وكذلك سائر الحروف، ولذلك من المعنى لا يحسن حذف حروف المعاني كحروف الجرّ ونحوها؛ لأن الغرض منها الاختصار، واختصارُ المختصَر إجحافٌ.

فإن قيل: فإذا كانت هذه الحروف نائبةً عن الأفعال على ما زعمتم، والأفعالُ معناها في نفسها، لِمَ كانت الحروف معناها في غيرها، والخَلَفُ لا يُخالِف الأصلَ في حقّ الحكم؟ فالجواب أن كلّ فعل متعدِّ بنفسه، وبواسطةٍ، فإنّما هو عبارة، ولفظٌ دالّ على فعلٍ واصلٍ إلى المفعول، فإذا قلت: «أدعو غلامَ زيد»، فـ «أدعو» ليس واصلًا بنفسه إلى غلام زيد، وإنّما هو دالّ على الدعاء الواصلِ إلى الغلام، فحروفُ «أدعو» عبارة عن حروف الدعاء، وليس كذلك قولك: «يا غلامَ زيد»، فإنّ إضافةَ «يا» إلى ما بعدها فُهم منها معنى الدعاء الدال عليه «أدعو»، فأنت إذا قلت: «يا غلام زيد»، فهو نفس الدعاء، وإذا قلت: «أدعو» كان إخبارًا عن وقوع الدعاء، وكذلك إذا قلت: «أستفهمُ»، كان عبارة عن طلب الفهم، وإذا قلت: «أقام زيدٌ؟ « كان نفس الطلب. فلمّا افترق معناهما، افترق حكمُهما، فافْهَمْه، ففيه لُطْفٌ».

وقد يكون في كلام سيبويه ما يدل على هذا المعنى في باب الحروف الخمسة التي تعمل فيما بعدها كعمل الفعل فيما بعده.

ولكن ظاهر كلامه أن المشابهة في العمل في كونها رافعة وناصبة، وليست المشابهة في المعنى، وكلامه ظاهر في أن المنادى نصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره؛ فليس في كلامه دلالة على أن حرف النداء ناب مناب الفعل، وجعل حرف النداء –على سبيل التمثيل- نائبا مناب الفعل معنى، أو عملا لا يخلو من إشكال، فإن قيل إن حرف النداء نائب مناب الفعل معنى تحول الأسلوب من إنشاء إلى خبر، ولا أظن ذلك مرادا للنحويين، فقد نُقل الإجماع على أن النداء ليس بخبر وإن قيل إن حرف النداء نائب مناب الفعل عملا ففيه إشكال أيضا، فالواقع بعد حرف النداء يكون تارة مبنيا على الضم وتارة منصوبا.

وإن قصد المعنى الثاني فجواب الناظم ليس موافقًا للمعنى الذي أراده السائل، وعليه فالمراد الأفعال العشرة التي جاءت على صيغة الأمر، وقامت على حرف واحد كالفعل (ق) الذي ماضيه (وقى)، وهو المعبر عنه عند أهل التصريف باللفيف المفروق الذي تحذف فاؤه، ولامه في الأمر؛ فبقي الفعل على حرف واحد قال المحقق الخليلي في مقاليد التصريف:

«وذو اعتلالَينِ لفيْفٌ كـ(وَنَى)

مفروُقُهُ وكـ(طَوَى) مَا اقتَرَنَا

وما جمع حرفي اعتلال فهو يسمى لفيفا، فإن كان الاعتلال في الفاء منه، واللام مثل: وعى يعي، وونى يني، فهو لفيف مفروق، وإن كان الاعتلال في حرفين منه معا فهو لفيف مقترن، وذلك مثل طوى، وهوى، ونحوهما»

وقد جمعها بعضهم، وحصرها في عشرة أفعال، قال الإمام نور الدين في بلوغ الأمل وشرحها:

«والفعلُ حرفًا قدْ بقِي مُحركَا

كذاكَ: لِ، وشِ، ونِ، وءِ، الذي

وأصلُهُ صَوغٌ لفيفٌ فُرِقا

كعِ، ورَ، وقِ، ودِ من أُهلكَا

تهوى، وفِ العهد وجِ القلب الندِي

أمرًا لحذفِ الطرفينِ اتفقَا

قد يبقى من الفعل حرف واحد متحركا، فيتضمن معنى الجملة بأسرها، وذلك –كـ عِ، ورَ، وقِ، ودِ، ولِ، وشِ، ونِ، وءِ، وفِ، وجِ،- فهذه عشرة أفعال كلها مكسورة، إلا: رَ فإنها مفتوحة؛ لفتح عين مضارعها، وكلها متعدية إلا: نِ، فإنها لازمة فتقول: عِ القول، ورَ الرأي، وقِ المستجير، ودِ القتيل، ولِ الشغل، وشِ الثوب، وءِ الذي تهوى، أي: أوعده، وفِ العهد، وجِ القلب، وأصل وقوع هذا أن تصوغ أمرا من لفيف مفروق، فتحذف الطرفين وهما الأول، والآخر من الفعل باتفاق من النحويين، واللفيف هو الحائز علتين، فإن اقترنتا سمي لفيفا مقرونا كطوى، وإن افترقتا سمي لفيفا مفروقا كونى ونظائره كما في هذه الأفعال».